بسم الله و الصلاة والسلام على رسول الله أما بعد.
الحمد لله الذي فطرني على الإسلام و فتح عيوني على حروف القرآن و هداني إلى خدمته.
القسم الثاني
أسباب العنوسة الخاصة بالآباء والأولياء
1- ماتقدم لها الكفء - تجلس في البيت حتى يأتيها رزقها:
إن بعض الآباء (هداهم الله) إذا لم يتقدم لأبنته الكفء حتى بلغ سنها فوق العشرين أو أكثر إذا نوقش الوالد قال: "تجلس في بيتها حتى يأتيها رزقها… فنقول لهذا الوالد… إلى متى تجلس في بيتها؟؟!
وهل كلامه هذا تبرأ به ذمته عند الله عز وج! لو كانت الفتاة تحت سن العشرين لربما وافقناه على هذا الكلام
ولكن البنت دخلت في سن العنوسة وربما العنوسة المتأخرة.. وهو يتفرج عليها مكتوف الأيدي يردد هذه الكلمات "
تجلس في بيتها حتى يأتيها رزقها؟؟"
أما علم الوالد أن البحث لها عن زوج هو من أسباب رزقها، وقاصمة الظهر أن بعض الآباء إذا قيل له أخطب لابنتك أبحث لها عن زوج فإنه يغضب عليك، ويستغرب سؤالك ويقول أنا أخطب لابنتي أنا أبحث لها عن زوج. هذا التصرف عيب، ماذا يقول الناس عني" هذا لايريد ابنته وهي رخيصة عنده.. يريد فراقها.. يريد أن يهديها للأزواج وغيرها من الكلمات…الخ".
العلاج:
إن الولي أو الوالد القارئ لكتاب الله والمستمع إليه المطلع على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته الكرام ويعرف أخبارهم يعلم أنه ليس عيباً أن يخطب الوالد لأبنته زوجاً صالحاً يصرح له بذلك أو يلمح له ويكفينا من ذلك ماذكره الله عن شعيب (عليه السلام) في سورة القصص لما علم أمانة موسى (عليه السلام) وخلقه خطبه لإحدى بناته خطبة صريحة فقال الله عز وجل عنه: {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين}…الآية، وعمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على أبي بكر الصديق ثم على عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين.. فسكتا لأنهما كانا يعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ولايريدان إفشاء سره ثم تزوج بها الحبيب عليه الصلاة والسلام. فأقول وأنصح الآباء المحبين لبناتهم والذين يبحثون عن سعادتهم في الدنيا والآخرة والذين يريدون براءة الذمة وهم يعلمون أن بناتهم دخلن في العنوسة أن يسارعوا في البحث لهن عن أزواج صالحين.. قبل أن يتقدم لهذا الوالد رجل أو شاب لاتبرأ به الذمة (ضعيف الدين والخلق والأمانة، مهمل للصلاة أو أنه لايصلي أو مصر على بعض الكبائر) ثم يضطر الوالد أن يوافق على زواجه من ابنته وإن كان لايريده ولكنه وافق بسبب إلحاح النساء وكثرة الواسطات من الرجال والنساء فوافق مكرهاً (وقد حصل مثل هذا ويحصل) والنتيجة أن الزواج تم وحصل ما لاتحمد عقباه وضايق الزوج الفتاة وحملها ما لاتطيق الصبر عليه: (يسهر الليالي ويتركها لوحدها أجبره على مشاهدة الدش.. ترك الصلاة أمامها… ضايقها بشرب الدخان… بدأ يسخر منها ويستهزأ بها ويتلفظ عليها بالسب والشتم واللعن.. وربما ضربها.. الخ) حتى هربت إلى والدها الذي سعى في طلاقها من هذا الزوج الذي لايخاف الله وليس كفئاً لها، ولكن الوالد كلما رأى ابنته ندم على تصرفه الأول والأخير وقد قيل "الوقاية خير من العلاج" فأقول للولي: اسمع نصيحتي وابحث لابنتك عن زوج تبرأ به الذمة وأقنعها به وسوف توفق إذا علم الله صدق نيتك وحرصك على إبراء الذمة وما يسعدها في الدارين وصدق من قال: "أخطب لابنتك ولاتخطب لولدك" ونحن نقول أخطب لابنتك كما تخطب لولدك.
وهل للفتاة موقف من كلام والدها (تجلس حتى يأتيها رزقها) أو تبقى متفرجة مكتوفة الأيدي إلى أن تكون هي الضحية؟!
نعم، تستطيع الفتاة بذكائها وحسن تصرفها واستشارة الناصحين لها كالوالدة وبعض الأخوة والأخوات والأقارب أن يتفقوا علة الزوج المناسب والذي فيه المواصفات الشرعية ثم تحصل الاتفاقية السرية عليه ومعه ثم يطلبون منه أن يتقدم لوالد الفتاة لخطبتها، ولاعيب أن توصي البنت أحد إخوانها الناصحين الفاهمين أن يبحث لها عن شاب يرى أنه كفء لأخته ثم يتفق معه سراً ويطلب منه أن يتقدم إلى الوالد للخطبة، فتتم الموافقة والزواج (بإذن الله تعالى)، وهذا التصرف يدخل في النصيحة الواجبة بين المسلمين.. والتعاون على البر والتقوى فهي إذاً بين الأخوة والأقارب أوجب لأن الأقربون أولى بالمعروف. ولا أقول لآباء إلا كما قال الله عز وجل: {فستذكرون ما أقول لكم وافوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد}.
2- رد الكفء لأنه غير موظف:
بعض الآباء إذا تقدم لأبنته شاب أو رجل كفء لها (صاحب دين وأمانة وخلق) سأله عن عمله ورابته ثم تعذر منه ورده! – لماذا تعذر منه؟ لأنه غير موظف أو راتب الوظيفة قليل، وهذا في عرف بعض الناس فقير، فبعض الآباء يخاف على ابنته من الجوع والعش أو أن تعيش ابنته على الزكوات والصدقات والتبرعات الخيرية مع هذا الزوج. وهذه نظرة قاصرة من بعض الآباء والأولياء، وإلا فإن القارئ لكتاب الله والعارف بسنة الحبيب عليه الصلاة والسلام يعلم علم اليقين بأن الزواج من أعظم أبواب الرزق ومفاتيحه، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بتزويج الصالح وإن كان فقيراً أو تكفل جل وهلا بغناه قال الله عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم أن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله…}
الآية. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم… ثم ذكر منهم الناكح يريد العفاف".
ولاشك بأن مجالات العمل كثيرة ومتوفرة ولانحصرها بالوظيفة فقط، وقد تكون الأعمال الحرة – الحلال – أكثر نفعاً وبركة وأعظم أجراً وأقوى توكلاً على الله من الوظيفة إذا صلحت النية والتزم المسلم بالصدق والحلال، فما على العبد إلا أن يتوكل على الله عز وجل ثم يفعل أسباب الرزق. وقد تكفل عز وجل بأرزاق عباده بل جميع مخلوقاته فقال سبحانه وتعالى: {وما من دابة في الأرض إلا علة الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٍ في كتاب مبين} وقوله عليه الصلاة والسلام: "لن تمون نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.." الحديث.
وأني أعجب من بعض الآباء أن يكون حريصاً جداً على رزق ابنته ومعيشتها (وهذه الأشياء مضمونة في الكتاب والسنة) ولايكون حريصاً على دينها. ولئن يعيش المسلم فقيراً أو يموت فقيراً صابراً محتسباً ومتمسكاً بدينه خير له من أن يعيش غنياً أو يموت غنياً وهو معرض عن ربه هز وجل، لأن الدنيا وسعادتها قليلة ومؤقتة والآخرة وسعادتها دائمة وباقية كما قال سبحانه وتعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى}.
فعلى الآباء والأولياء أن يحرصوا على الزوج الكفء وإن كان غير موظف ويثقوا بأن أبواب الرزق سوف تنفتح عليه كما وعد بذلك ربنا سبحانه وتعالى وأخبرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم.
3- تتزوج الكبرى ثم الوسطى ثم الصغري:
بزعمه أنه يجبر خاطر الكبرى على حساب أخواتها فقد يكون في الكبرى بعض الموانع من الزواج مثل قلة الجمال أو عدم التمسك بالدين أو السمعة السيئة أو أن الكبرى لاترغب بالزواج الآن أو غير ذلك من الأسباب. وبإصرار الوالد على تزويج الكبرى تكون الضحية أخواتها بأن يدخلن في مرحلة العنوسة بسبب أختهم الكبرى التي أصبحت حجر عثرة عليهن، وإذا نظر العاقل بعين البصيرة فإنه يعلم أن الزواج قسمة ونصيب ولعل من أسباب نصيبها فتح المجال لأخواتها بالزواج إذا تقدم لهن الكفء.
وهل للفتاة موقف من هذا؟
نعم: على الفتاة الكبرى أن تصارح والدها ووالدتها بضرورة السماح لأخواتها بالزواج، وأن عدم تقدم الزوج لها من قضاء الله وقدره وتقنع والدها بأن رفضه من تزويج أخواتها معناه إجبار للأزواج أن يتقدموا للكبرى، وهذا الرفض يؤدي ببقية الأخوات إلى العنوسة، وعليها أن تقنع والدها بأنه لامانع من تزويج أخواتي الأقل مني سناً وأنا راضية وبكل فرح وسرور.
4- إكراه الفتاة أو حجرها على قريبها:
إن بعض الآباء يجبر ابنه بالزواج من قريبة أو من فلان أو فلان، إما لمصلحته أو تعاطفاً مع قريبه وقد يكون هذا الزوج ليس كفئاً للزوجة فترفض الزواج به فيصر الوالد على الزواج منه وتصر هي على رفض الزواج منه فتكون عانساً مع مرور الأشهر والسنوات.
العلاج: إن تصرف الوالد خلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باستشارة الزوجة وأخذ رأيها وطلب موافقتها ورضاها فإن كانت بكراً سكتت وإن كانت ثيباً نطقت بالرضا أو عدمها.
ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث معناه: "أما البكر فرضاها سكوتها وأما الثيب فتنطق" فعلى الآباء أن يتقوا الله ويحذروا من إجبار البنت على الزواج بمن ليس كفئاً لها إلا إذا افترضنا أن الفتاة ترفض الصالحين وتريد الفاسقين (وهذا بعيد) فعلى الوالد أن يرفض طلبها ولايوافق على الزوج الفاسق حتى وإن بقيت عانساً.
5- استفادته منها فلايريد تزويجها:
فإذا كانت الفتاة في البادية أو في القرى والهجر فإن بعض الآباء يستخدمها في رعي الغنم أو في المزرعة فهي بزعمه أفضل له من عامل، وإذا تقدم لابنته الخُطاب اعتذر منهم وصرفهم بالحيل والكذب ويقول البنت صغيرة، البنت مخطوبة لابن عمها، البنت لاتريد الزواج الآن.. وغيرها من الأعذار.
وإذا كانت الفتاة في الحاضرة (المدن) وكانت معلمة أو موظفة، فإن بعض الآباء يريد أن يستفد من راتبها فيستلمه أو تعطيه البنت من هذا الراتب ثم يقابل الحسنة بالسيئة والعياذ بالله. فإذا تقدم لها الخُطاب اعتذر منهم وصرفهم بالأقاويل والحيل الكاذبة لأنه يريد أن يستمر في الاستفادة من الراتب ويخاف إن زوجها انقطعت عنه الفائدة، فيكون هذا الولي أو الوالد قد أوقع نفسه بجرائم عديدة منها:
- أنه قابل الحسنة بالسيئة والله عز وجل يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.
- أن هذا المال من هذا الراتب بهذه الطريقة سحت وحرام ولا يجوز وفي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به".
- أنه تسبب لابنته بالعنوسة وحطم حياتها وقضى على شبابها بسبب الحيلة والكذب والطمع.
- أن هذا الوالد عرض نفسه للظلم من أقرب الناس إليه وهي ابنته وفلذة كبده وقد يعجل الله له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، وفي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "والظلم ظلمات يوم القيامة" وقوله عليه الصلاة والسلام: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
العلاج:
يستطيع الوالد أن يستفيد من راتب ابنته بالحلال والصدق ولا حرج ولا عيب في ذلك بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "أنت ومالك لأبيك" ولكن كيف ذلك؟!
- - إذا كان الوالد محتاجاً لبعض راتب ابنته كأن يكـون فقيراً أو غـير موظف أو البيت بالإيجـار أو الأولاد كثيرون ولا يستطيع أن ينفق عليهم. وغيرها من الظروف المالية.
- - فلاعيب أن يصارح ابنته في ذلك ويتفق معها على ربع الراتب أو نصفه مثلاً لأنها تعرف ظروفه (بدون خجل ولاحياء) فإذا حصل هذا الاتفاق والمصارحة فإني على يقين بأن الوالد سوف يوافق على أول زوج يتقدم إذا كان كفئاً ويستشير ابنته عليه ويشترط ذلك في العقد بأن المرتب خاص بالبنت ولايجوز لـه أن يأخذ شيئاً منه إلا برضا منها وهو مع ابنته على الاتفاق السابق. بل إني على يقين أن الوالد سوف يبحث بنفسه عن زوج مناسب يرتاح لـه ويطمئن بأنه سينفذ الشروط. فيكون الوالد بهذا التصرف الصحيح قد استفاد من راتب ابنته بطريق حلال وبنفس راضية ويكون أيضاً قد زوج ابنته حين بلوغها فاستفادا جميعاً.
وهل للفتاة موقف من تخطيط والدها للاستفادة من راتبها؟
نعم: لها موقف إيجابي إذا كانت الفتاة ذكية وتعرف ظروف والدها ومع ذلك فقد يكون ضعيف الإيمان قليل الخوف من الله فمن البداية عليها أن تصارحه بذلك (لأن الوالد قد يخجل أصلاً أن يفتح هذا الموضوع ولكنه يضطر أن يلعب اللعبة السابقة المحرمة).
فعلى الفتاة أن تصارح والدها من حين صدور قرار الوظيفة أو الآن فتقول لـه ياوالدي: إن نعم الله كثيرة يجب علينا شكرها وإن لك علي حق كبير فأنت أوسط أبواب الجنة، وإن من شكري لله وقياماً بالوفاء وببرك ورداً لبعض جميلك فإن لك ربع راتبي أو نصفه مادمت على قيد الحياة ولابد أن توافق على هذا المطلب وأن تحقق رغبتي حتى أرتاح نفسياً ولن أنسى والدتي فالجنة تحت قدميها وحتى ياوالدي إن تقدم لي زوج تراه صالحاً فسوف نشترط.... عليه بالعقد بأن هذا الزوج ليس له دخل في المرتب (وأنا وإياك ياوالدي على هذا الاتفاق بإذن الله، والله على ما أقول شهيد "وكفى بالله شهيداً).
فعند ذلك يطمئن الوالد وترتاح نفسه وسوف يوافق على أول رجل يتقدم ويعلم بأنه كفء وسينفذ الشروط وربما أسرع بالبحث عن الزوج المناسب فخطبه واشترط عليه.
وقد نجحت وسوف تنجح كثراً من الفتيات عندما تطبق هذا الاقتراح وعلى الفتاة أن تعالج نفسها وأن تجعل هذا المال صدقة ومعروفاً وسبباً في بر والدها حتى يبارك الله لها فيه ويزيدها منه. ففي الحديث "مانقصت صدقة من مال بل تزه بل تزده" بل تزده ويضاعف الله من حسناتها ويرفع درجاتها بسبب حسن نيتها.
اللهم إن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمنك وحدك لك الحمد والشكر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق