البنات والحب ما أجمل أن يشعر الإنسان بالدفء في أبرد أيام الشتاء، وببهجة الربيع في قلب الخريف، وبأنغام رقيقة حالمة وسط صخَب الحياة وضجيجها ومتاعبها وهمومها! ما أحلى أن ترَي نفسك مَلِكة متوَّجة على قلب رجل ، رغم أنك إنسانة عادية في بيتك و بين أقرانك!. وما أروع أن تحظَي باهتمامٍ خاص، رغم أنك لا تحصلين على اهتمام ٍ يُذكر بين إخوانك وأهلك وأقاربك!. وما أعذب أن تسمعي عن نفسك أحاديثاً شجية .. بينما لا يرى فيك والديكِ سوى عيوبك ونقائصك!. وكم هو مريح أن تظلي تتكلمين وتبوحين ، وهناك مَن يسمعك بكل اهتمام، بينما تسمعك أمك وهي مشغولة بالطهي أو بترتيب البيت أو غيره .. هذا إن استمعت إليك أصلاً!. وما أهنأك وأنت تسمعين عبارات الغَزَل في كل شيء فيكِ، بينما لا تسمعي من والديك سوى عبارات اللوم والنقد والتوبيخ!. ولكن مهلاً عزيزتي،أليست الأمور بخواتيمها وبما تحمل من ثمرات تجنيها؟!. لماذا لا تتأملي علاقتك بالحبيب ، بالمقارنة بعلاقتك بوالديك؟. ولماذا لا تتساءلي: ما هو هدف الحبيب وما هو هدف والديك؟. ومَن مِن الفريقين يتمنى أن تكوني أفضل منه في الدنيا والآخرة؟!. سأترك الإجابة لك!. والآن هل تسمحين لي أن أحدثك بصراحة؟. نعم إن الحب شيء رائع ، ولكنه-للأسف- يا أخيتي لا يصفو طويلاً، كما أن سعادته مهما دامت .. فإنها لا تستمر كثيراً، بل وغالباً ما تنقلب إلى عذاب وآهات وندم وحسرة وخيبة أمل وشعور بالقهر والذل .. سلَمكِ الله وعافاكِ. والعاقل يا آبنتي مَن دان نفسه ، وحاسبها قبل فوات الأوان. ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أ ن تمنعي نفسك من الحب الطاهر المشروع! فهذا ما لا يطيقه الإنسان الطبيعي، لأن الله سبحانه فطره على الحب وخلق له العواطف والأحاسيس .. ولو تأمَّلتِ معي الكون لوجدتي أن أساسه الحب !!. فالكواكب لا تفارق مجموعاتها لأنها دوماً في حالة انجذاب، والقمر لا يغادر كوكبه لأنه في حالة ارتباط، هذا فيما عظُم من مخلوقات، أما ما دقَّ منها ، فنرى نواة الذَّرَّة لها حالة من التجاذب تنتظم إلكتروناتها!!. ولأن الله سبحانه جعل الحب عنوان علاقته بأفضل خلقه وأقربهم إليه – وهو الإنسان المؤمن - فحين أخبر عن حالهم معه ووصف علاقته بهم، وعلاقتهم به سبحانه قال:" يُحبُّهم ويُحبُّونَه"(سورة المائدة -54) ليس ذلك فحسب، وإنما جعل الله الحب أساس الإيمان به – جل شأنه – والدليل على ذلك: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم:" أنتَ أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء إلاَّ من نفسي "فماذا قال له الحبيب المصطفى؟. قال له: ((لا يا عمر، حتَّى أكون أحبَّ إليك من نفسك))، فلما قال له عمر:" والله أنت الآن أحبُّ إليَّ من نفسي"، قال له: ((الآن يا عمر))!(رواه البخاري). فلا تصدقي يا أخيتي من يقول لك أن الإسلام يحرمك من حقك الطبيعي في الحب المباح، بل تأملي معي أحوال المحبين من النجوم الأزاهر .. فهذا "سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان يحب زوجته سارة حباً شديداً،حتى أنه عاش معها ثمانين عاماً وهي لا تُنجب،لكنه من أجل حبه لا يريد أن يتزوج غيرها أبداً حتى لا يؤذي مشاعرها ،فلما طلبت منه السيدة سارة أن يتزوج من هاجر وألحَّت عليه اضطر إلى النزول عند رغبتها"!. وهذا قدوتنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم الذي لم يستَحِ من إعلان حبه لعائشة حين عاد "عمرو بن العاص" منتصراً من غزوة "ذات السلاسل"،وسأله :" مَن أحب الناس إليك؟"- ظناً منه أنه سيكون هو- فقال له صلى الله عليه وسلم أمام الناس:" عائشة". فقال عمرو:" إنما أسألك عن الرجال"،فقال صلى الله عليه وسلم مؤكداً إعتزازه بعائشة: أبوها". ولم يقُل أبو بكر أو صاحبي...هل رأيتِ يا أخيتي رئيس جمهورية أو قائد أُمَّة يعترف بهذا أمام الناس!. هل رأيت يا أخيتي كيف أن الأنقياء الذين يحبون بصدق وطهر لا يخشون البوح به أمام الخلق!. أما أولئك الذين يحبون لأجل الشهوة والغريزة البهيمية والنيل من أعراض المسلمات.. فإنهم يحاولون دائماً أن يكون ذلك بعيداً عن الخلق.. ((يستخوف من الناس )). بل ومن الطريف أن يكون أمر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة أمراً يراعيه الخلفاء وكبار الصحابة من بعده في تشريعاتهم، وفي علمهم .. (( فنرى الصحابة ينتظرون يوم عائشة ليقدموا الهدايا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غارت بقية أمهات المؤمنين ..!. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه –المشهور بشدته – يراعي هذا الحب، فيفرض لأمهات المؤمنين عشرة ألاف من العطاء،ويزيد عائشة ألفين!!.. وحين يُسأل : وما السبب يا عمر،يقول:" إنها حبيبة رسول الله!. بل إن مسروقاً -وهو أحد علماء الحديث الكبار -كان إذا روى حديثاً عن عائشة رضي الله عنها: قال: ((عن الصِدِّيقة بنت الصدِّيق ، حبيبة رسول رب العالمين)). وتأملي معي موقفاً آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه لعائشة حين غارت من خديجة رضي الله عنها: ((إني قد رُزِقتُ حبَّها))!(رواه البخاري).. هكذا ببساطة ووضوح،وهو –صلى الله عليه وسلم – يعلم أن كل كلمة يقولها سوف تنشر بين الناس إلى يوم القيامة!. ولما جاءه –كما روى ابن عباس- رجل وقال له: ((عندنا يتيمة قد خطبها رجلان: موسِر ومُعسِر، قال له: ((فهَواها مع مَن؟!)) قال مع المُعسِر، فقال رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم: ((لم يُر للمُتحابَّين إلا النِكاح))[حديث حسن، رواه ابن ماجه والحاكم]. يتبع معكم أن شاء الرحمن~العماد |
0 التعليقات:
إرسال تعليق